المساجد بيوت الله
إذا كانت النظافة والزينة من القيم، فالإسلام من جهته يوصي فيقول: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾[1]، فالإسلام يؤكّد على النظافة والتعطُّر والتزيُّن، خصوصاً، عند الذهاب إلى المساجد لإقامة الصلاة، كما ويؤكّد على السواك، فقد ورد في الروايات أنّ الصلاة مع السواك تعدل سبعين صلاة من غير سواك، ونقرأ في الروايات أيضًا أنّ الإسلام يوصي بتجنّب تناول البصل والثوم، وكلّ ما يصدر رائحة قد تزعج المصلّين في الجماعة. هذه هي صلاة الإسلام، أمّا كيف هي صلاة بعض المسلمين؟ فمع الأسف أن نجد مسلمًا لا يُصلّي، أو مسلمًا يُصلّي خطأً، أو يُحافظ على شكل الصلاة ويُصلّي دون حضور قلبٍ، أو يُصلّي فرادى ويترك صلاة الجماعة، أو يُصلّي في آخر الوقت.
والأهم من ذلك كلّه، أنّ المساجد كانت محلًّا يخدم فيه الأنبياء، فقد كان اشتغل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في بناء المسجد الحرام: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾[2]. وكان زكريا عليه السلام خادمًا في المسجد. وأمّا أمّ مريم عليها السلام فقد نذرت جنينها ليكون خادمّا في بيت الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[3]. هذه المساجد التي كان الأنبياء خدامها، قارن حالها بحال أكثر مساجدنا التي صار خدّامها اليوم - غالبًا - أفراد عاطلين عن العمل، أو عجزة وطاعنين في السنّ، أو مرضى وفقراء وفي بعض الحالات جهلة غير متعلِّمين، وفي بعض الأحيان من سيّئي الخلق! لكن السؤال: لماذا يعدّ كنس الغبار من حرم أئمة الهدى عليهم السلام افتخارًا، أما المساجد وبيوت الله فلا؟! لماذا مساجدنا يجب أن تكون مكانًا إذا دخل الإنسان إليه شعر بالحزن والغمّ والكسل؟ هل أصبحت المساجد مكانًا للعزاء والحزن، ومركزاً لتوابيت الموتى وقراءة الفاتحة على الأموات، بحيث نراها دائمًا مكسوّة بالسواد؟! بالطبع شهدنا مؤخّراً حركة جيّدة في المساجد، حيث نرى الكثير منها يُجهّز بالمكتبات العامّة، كما تشهد حركة فعّالة من قبل الشباب، وبعضها جُهّز بصناديق القرض الحسن، وغير ذلك من الأمور والتجهيزات. ما أفضل وأجمل الحديث الشريف الذي يقول: "ثلاثة يشكون إلى الله عزّ وجلّ، مسجد خراب لا يُصلّي فيه أهله، وعالم بين جهّال، ومصحف معلَّق قد وقع عليه الغبار لا يُقرأ فيه"[4]. إنّ الكلام حول المساجد كثير، وقد تمّ مؤخّراً تأليف كتاب تحت عنوان: "سمات المساجد"، طبع في مجلّدين اثنين، هذا الكتاب يوضّح مكانة المسجد في المجتمع الإسلامي.
أمّا إذا عدنا إلى صدر الإسلام، فنجد أنّ المسجد كان مكاناً لاجتماع المسلمين، يتشاورون فيه ويتّخذون القرارات ويضعون الخطط والبرامج، وكان محلّاً للعلم والتعلُّم، حيث تُعقد فيه حلقات العلم، ومقرًّا للمجاهدين والمقاتلين، ومحلّاً للتباحث في شؤون المسلمين ومساعدة المرضى والفقراء وحلّ مشاكلهم، وكان مركزًا لنهوض المسلمين والثورة في وجه السلطان الظالم، حيث كانت تُقام فيه الخطب الحماسيّة التي تُشجّع الناس على الثورة في وجه الطواغيت.
من هنا، فإنّ المسلمين اهتمّوا بالمساجد، طوال التاريخ، ومن منطلق هذه المكانة السامية والمقام الرفيع للمسجد، فقد عمد المسلمون إلى استخدام أفضل المهارات والفنون المعمارية في بناء المساجد، وبذلوا الأموال الكثيرة، ووقفوها في سبيل بقاء المساجد عامرّة وقائمة بأفضل صورة.
[1] سورة الأعراف: الآية 31.
[2] سورة البقرة: الآية 125.
[3] سورة آل عمران: الآية 35.
[4] الكافي، ج 2، ص 613.