مواقيت الصلاة
الفجر : 05:08
الشروق : 06:26
الظهر : 11:28
العصر : 14:10
المغرب : 16:48
العشاء : 17:42
منتصف الليل : 22:45
الإمساك : 05:00
X
X
الاعلان

الغسل وآدابه القلبيّة

الغسل وآدابه القلبيّة

 الغسل وآدابه القلبيّة

تمهيد
الغسل من الجنابة أحد التّطهيرات اللازمة للورود إلى الصّلاة وإلى العديد من العبادات. والجنابة ترمز إلى الخطايا التي ينبغي للإنسان أن يتطهّر منها في باطنه. فإذا كان التوجّه إلى الطّبيعة، بل كون الإنسان طبيعيًّا أصل جميع الخطايا فإنّ الجنابة هي أكبر تعبير أو مظهر لأكبر الخطايا، لأنّها أكبر تعبير عن الحياة الطبيعيّة.

وليست الخطيئة في كون الإنسان طبيعيًّا، بل برضاه وركونه إلى عالم الطّبيعة الذي هو منزل أسفل سافلين.

المشكلة كلّها في اعتبار هذه الحياة الدّنيا غاية وعدم النّظر إليها كوسيلة.

أصل كلّ الخطايا هو أن يفرح الإنسان بملذّات الطّبيعة بطريقة تنسيه ملذّات الملكوت والآخرة. أمّا لو جعل الدّنيا وسيلةً ومحطّةً ومعبرًا، فسوف تتحوّل الدّنيا إلى أفضل سبيل لطيّ منازل الآخرة والوصول إلى الحياة الخالدة. وكلّ فرح فيها سيكون تذكيرًا بأفراح الآخرة، وكلّ تنعّم بها سيكون ذكرى النعيم المقيم.

وهكذا يكون الغسل من الجنابة تعبيرًا عن رفض الطّبيعة كمحطّة نهائيّة. فبالغسل يعبّر السّالك عن رفض تبعات التواجد في عالم الطّبيعة، لا أصل التّواجد فيها، والذي لا بدّ منه للوصول إلى غاية الغايات.

حقيقة الجنابة والغسل منها
يقول الإمام الخميني قدس سره في تعريف حقيقة الجنابة وما ترمز إليه في الباطن:
"الجنابة هي: الفناء في الطّبيعة، والغفلة عن الروحانية، والغاية القصوى لكمال السلطنة الحيوانية والبهيمية، والدخول في أسفل سافلين"1. وهكذا يكون الغسل من الجنابة وفق حقائق الشّريعة عبارة عن:
"والغسل هو: التطهير من هذه الخطيئة، والرجوع عن حكم الطّبيعة، والدخول في سلطان الرّحمانية وتصرّف الألوهية، بغسل كلّ مملكة النّفس التي فنيت في الطّبيعة وابتليت بغرور الشّيطان"2،3.

فسلطان الرّحمانية هو الذي يخرج الإنسان من الاحتجاب، وهو مفتاح اليقظة وأصل السّلوك، ولولا هذه الرّحمة لما تيسّر لأحد سبيل الوصول إلى الله. فإذا غسل مملكة النّفس كلّها من التعلّق بالطّبيعة، يشهد حقيقة تصرّف الألوهيّة، ومعنى "لا مؤثّر في الوجود إلا الله تعالى".

آداب الغسل القلبيّة
فإذا ظهرت الحقائق والمعاني، لا بدّ أن يتوجّه القلب إليها حين العمل والأداء حتى تحصل الفوائد المعنويّة ويكتسب القلب حظّه من الالتزام والعبادة، لهذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "فالآداب القلبيّة للغسل بالنسبة للسّالك هي:

1- ألاّ يتوقف حين غسله عند تطهير الظّاهر وغسل البدن الذي هو القشر الأدنى والحظّ الدنيويّ.

2- ويتوجّه إلى جنابة باطن القلب وسرّ الرّوح.

3- ويرى غسله منها أهمّ.

4- فيجتنب غلبة النّفس البهيمية والشأن الحيوانيّ على النّفس الرّحمانية والشؤون الرحمانية.

5- ويتوب من رجز الشّيطان وغروره، ويطهّر باطن الرّوح الذي هو نفخة إلهية ـ وقد نُفخ فيه بالنّفس الرحمانيّ ـ من الحظوظ الشّيطانيّة، (وهي التوجّه إلى الغير الذي هو أصل الشجرة المنهية)، حتى يليق بهذا التطهير للدخول إلى جنة أبيه آدم عليه السلام"4.

وبهذه الطريقة يتأدّب السّالك بآداب غسل الجنابة، ويفتح على قلبه أنوار فيض العبادة.

أصل أصول الجنابة
فإذا كانت حقيقة الجنابة عبارة عن ظهور الجهة الماديّة وغلبة الوجهة الحيوانيّة في عالم الطّبيعة، فباطن حقيقة الجنابة هو غلبة الجهات السّوائيّة على الجهات الإلهيّة. والدّنيا تمثّل أصل الكثير من الجهات الغيريّة، بل إنّ جهة المغايرة والاجتناب عن ربّ العالمين هي المسمّاة بالدّنيا، أمّا الطّبيعة فإنّها أحد مظاهر الحقّ المتعال. يقول الإمام الخميني قدس سره: "وليُعلم أنّ الأكل من شجرة الطّبيعة والإقبال على الدّنيا والتوجّه إلى الكثرة هو أصل أصول الجنابة"5.

بأيّ ماء يتحقّق الغسل الباطني؟
فبأيّ ماء يتحقّق الغسل من باطن الجنابة؟ هنا يقول الإمام الخميني قدس سره: "وما لم يطهر من هذه الجنابة بانغماسه في ماء رحمة الحقّ تعالى أو تطهّره التامّ بذاك الماء الذي يجري من ساق العرش الرحمانيّ والخالص من التصرّف الشّيطانيّ لا يليق للصّلاة التي هي حقيقة معراج القرب، فإنّه لا صلاة إلا بطهور"6.

شواهد من الأحاديث
يقول الإمام الخميني قدس سره في معرض الاستشهاد ببعض النصوص على وجود المعاني الباطنية للجنابة والغسل، منها: "وقد أشير إلى ما ذكر في الحديث الشريف في الوسائل عن الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه)، قال: وبإسناده، قال: "جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسأله أعلمهم عن مسائل، وكان فيما سأله أن قال: لأيّ شيء أمر الله تعالى بالاغتسال من الجنابة، ولم يأمر بالغسل من الغائط والبول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ آدم لمّا أكل من الشجرة، دبّ ذلك في عروقه وشعره وبشره، فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من كلّ عرق وشعرة في جسده، فأوجب الله عزّ وجلّ على ذريّته الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة"7 الخبر"8.

"وفي رواية أخرى عن الرضا عليه السلام: "إنّما أُمروا بالغسل من الجنابة ولم يؤمروا بالغسل من الخلاء، وهو أنجس من الجنابة وأقذر، من أجل أنّ الجنابة من نفس الإنسان، وهو شيء يخرج من جميع جسده، والخلاء ليس هو من نفس الإنسان، وإنّما هو غذاء يدخل من باب ويخرج من باب"9.

وظاهر هذه الأحاديث، وإن كان عند أهل الظّاهر أنّ النطفة لمّا كانت تخرج من جميع البدن وجب غسل جميعه، وهذا مطابق لرأي جمع من الأطبّاء والحكماء الطّبيعيّين، ولكن تعليله عليه السلام بأكل الشجرة كما في الحديث الأوّل، ونسبة الجنابة إلى النّفس كما في الحديث الثاني، يفتح طريقًا إلى المعارف لأهل المعرفة والإشارة، لأنّ قضية الشّجرة وأكل آدم منها من أسرار علوم القرآن وأهل بيت العصمة والطّهارة عليهم السلام، حيث إنّ الكثير من المعارف مرموز فيها، ولذا جعلوا عليهم السلام في الأحاديث الشّريفة قضيّة آدم والأكل من الشّجرة علّةً لتشريع كثير من العبادات، ومن جملتها باب الوضوء والصّلاة والغسل وصوم شهر رمضان وكونه ثلاثين يومًا وكثير من مناسك الحجّ"10.

منطلق السفر بغسل القلب من حبّ الدنيا
هكذا يكون منطلق السّفر إلى الله تعالى بالخروج والبراءة من كلّ ما سواه. وليست الدّنيا سوى أحد مظاهر هذا السوى التي اختبرنا الله بها. ولو عاش الإنسان فطرة الله لما استغرق بها وغفل عن صاحب النعمة بالنعمة. فكلّ من كان على الفطرة يتوجّه إلى أصل النعمة وسببها عندما تأتيه وترد عليه، وخصوصًا إذا توالت هذه النعمة وكثُرت. فما أشقى من جحد المنعم ونسي ذكره! هناك ستنطبق عليه الآية الشريفة بقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً11.

لهذا يتوجّه الإمام الخميني قدس سره إلينا، ويسعى أن يخاطب قلوبنا، عسى أن تؤثّر فيها الموعظة البالغة، فيقول: "وبالجملة، فأنت يا ابن آدم، وقد جُعلت بذرًا للّقاء وخلقت للمعرفة واصطفاك الله تعالى لنفسه وخمّرك بيدي جماله وجلاله وجعلك مسجودًا للملائكة ومحسودًا لإبليس، إذا أردت أن تخرج من جنابة أبيك الذي هو أصلك، وتليق للقاء حضرة المحبوب وتنال استعدادًا للوصول إلى مقام الأنس وحضرة القدس، فلا بدّ لك من أن تغسل بماء رحمة الحقّ باطن قلبك وتتوب من الإقبال على الدّنيا التي هي من مظاهر الشّجرة المنهيّة، وتغسل قلبك الذي هو محفل لجناب الجميل وجمال الجليل من حبّ الدّنيا وشؤونها الخبيثة التي هي رجز الشّيطان، فإنّ جنّة لقاء الحق تعالى محلّ الأطهار ولا يدخل الجنّة إلّا الطيّب"12.

* كتاب الآداب المعنوية للصلاة في ضوء فكر الإمام الخميني(قده)


1- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 83.
2- م.ن، ص 83.
3- "يقول أهل المعرفة: إنّ الجنابة هي الخروج من وطن العبودية، والدخول في الغربة، وإظهار الربوبية ودعوى الإنيّة، والدخول في حدود المولى والاتّصاف بوصف السيادة. والغسل هو للتطهير من هذه القذارة والاعتراف بالتقصير. وقد ذكر بعض المشايخ في ضمن عشرة فصول، مئة وخمسين حالًا لا بدّ للعبد السّالك التطهير منها خلال الغسل، يرجع أغلبها أو كلّها إلى العزّة والجبروت وكبرياء النّفس وحبّ النّفس ورؤيتها".معراج السالكين، ص 82 - 83 -.
4- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 83.
5- م.ن، ص 83.
6- م.ن، ص 83.
7- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج2، ص 179.
8- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 83 - 84.
9- الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص 258.
10- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 84.
11- سورة طه، الآية 124.
12- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 84 - 85.

| 2946 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد