مواقيت الصلاة
الفجر : 04:56
الشروق : 06:14
الظهر : 11:21
العصر : 14:09
المغرب : 16:48
العشاء : 17:41
منتصف الليل : 22:38
الإمساك : 04:48
X
X
الاعلان

حبّ الدنيا مانع من حضور القلب

حبّ الدنيا مانع من حضور القلب

حبّ الدنيا مانع من حضور القلب

تمهيد
إنّ ترويض الخيال وضبطه أمر ضروري لتحصيل حضور القلب، لأنّ حضور القلب شرط لنيل الكمالات المعنوية والحصول على الآثار الطيبة للعبادة. وإنّ إطلاق العنان للخيال يؤدّي إلى تشتّت الخاطر وتكثّر الخيالات، وهذا بدوره يؤدّي إلى صعوبة تمركز التوجّه القلبي. ومن أهمّ أسباب كثرة الخواطر حبّ الدنيا الذي يجعل القلب منشغلاً بها وبصورها ومتعلّقاتها التي لا حدّ لها.

بيد أنّ قضية حبّ الدنيا هي من الأهمّية بمكان يتجاوز قضية ضبط الخواطر، لأنّها قضية هدف الحياة ووجهة المسير. فمسار حياتنا إنّما ينبع من هدفنا وتوجهنا، وعلى أساسه تتشّعب أفكارنا وتنبعث خيالاتنا، فما نحبه ونطلبه سيكون مادّة الفكر والخيال.

ولأنّ الإنسان لا يمكن أن يكون صاحب توجهين، فهو ليس صاحب قلبين، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ1، فلا يمكن أن يكون سالكاً طريق الدنيا وطريق الآخرة معا. الدنيا والآخرة ضرّتان لا تجتمعان، وعدوّان متفاوتان كما وصفهما أمير المؤمنين عليه السلام2، فمن طلب الدنيا لا يمكن أن يسلك طريق الآخرة، ومن طلب الآخرة لا يمكن أن يسلك طريق الدنيا.

وبهذا نعرف الحلّ الإجمالي لأهمّ أسباب كثرة الخواطر وتشتّتها.

الحبّ أساس التوجّه والحركة
ما يهمنا هو المسار العام لحياتنا، لأنّ مصيرنا يتحدّد على أساسه. وما يحدّد المسار العام هو مطلوبنا وغايتنا، وبحسب المطلوب تتوجّه القلوب، فالحبّ أساس التحركات، لهذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "فليُعلم أنّ القلب، بحسب فطرته، إذا تعلّق بشيء وأحبّه، يكون ذاك المحبوب قبلة لتوجّهه. وإنْ شغله أمر ومنعه من التفكّر في حال المحبوب وجمال المطلوب، فبمجرّد أن يخفّ الاشتغال ويرتفع ذلك المانع، يطير القلب شطر محبوبه فورا ويتعلّق بذيله"3.

أنواع المحبين بحسب المحبوب
ومثلما أنّ المحبوب يحدّد وجهة السير، فإنّ درجة المحبة ومستواها يحدّدان سرعة السير. ويعرض الإمام الخميني قدس سره عدّة طوائف من المحبين في جانبي الدنيا والآخرة، وهم:

1- أهل المعارف أصحاب القلوب القوية:
"فأهل المعارف وأرباب الجذبة الإلهيّة، إذا كانت قلوبهم قوية وكانوا متمكّنين في الجذبة والحبّ الإلهيّين، يشاهدون في كلّ مرآة جمال المحبوب، وفي كلّ موجود كمال المطلوب، ويقولون: "ما رأيت شيئًا، إلّا ورأيت الله فيه ومعه"4.

2- أهل المعارف أصحاب القلوب الضعيفة:
"وإذا كانت قلوبهم غير قوّية، وكان الاشتغال بالكثرات مانعًا من الحضور، فبمجرّد أن يقلّ الاشتغال تطير قلوبهم إلى وكر قدسه، وتتعلّق بجمال الجميل"5.

3- محبّو الدنيا العاشقون لها:
"وبالنسبة لطلاب غير الحقّ، الذين هم عند أهل المعرفة طلاب دنيا، فإنّ كلّ ما يطلبونه يتوجّهون إليه ويتعلّقون به. فهؤلاء، إن كانوا مفرطين في حب محبوبهم، وكان حب الدنيا آخذاً بمجامع قلوبهم، فلا يُسلبون عن التوجّه إليه في أيّ وقت، ويعيشون مع جمال محبوبهم في كلّ حال، ومع كلّ شيء"6.

4- محبّو الدنيا على نحو ضعيف:
"وأمّا إذا كان حبّهم قليلاً، فإنّ قلوبهم في وقت الفراغ سترجع إلى محبوبها. أولئك الذين يكون في قلوبهم حبّ المال والرياسة والشرف، فإنّهم يشاهدون مطلوبهم في المنام أيضاً، ويتفكّرون في محبوبهم في يقظتهم. وما داموا مشغولين بالدنيا فهم في عناق مع محبوبهم"7.

ما هي حال صلاة محبّي الدنيا؟
فكيف سيكون حال من تعلّق قلبه بالدنيا إذا فرغ من انشغاله بها؟ وما الذي ينبغي أن نحذر منه في هذا المجال؟ يقول الإمام الخميني قدس سره:
"فإذا حان وقت الصلاة وحصل للقلب فراغ، فإنّه يتعلّق بمحبوبه فورا. فكأنّما تكبيرة الإحرام هي مفتاح دكان أو رافعة للحجاب بينه وبين محبوبه، فيتنبّه وقد سلّم في صلاته وما توجّه اليها أصلا، وقد كان في تمام الصلاة معانقاً همّ الدنيا.

فلهذا نرى صلاتنا على مدى أربعين أو خمسين سنة لم تؤثّر في قلوبنا غير الظلمة والكدورة... وما هو معراج قرب جناب الحقّ ووسيلة الأنس بذلك المقام المقدس قد صار سبباً لهجرنا ساحة القرب، وأبعدنا عن العروج إلى مقام الأنس مسافات طويلة. ولو كان في صلاتنا رائحة من العبودية، لكانت ثمرتها المتربة والتواضع، لا العجب والكبر والافتخار، التي يكون كلّ واحد منها سبباً مستقلّاً لهلاك الإنسان وشقاوته.

وبالجملة، فإنّ قلوبنا لمّا كانت مختلطة بحبّ الدنيا، وليس لها مقصد ولا مقصود غير تعميرها، فلا محالة أن يكون هذا الحبّ مانعاً من فراغ القلب وحضوره في ذلك المحضر القدسيّ"8.

بالنسبة لمحبّي الدنيا تكون الصلاة وقت فراغ القلب من هموم الحياة، فتكون بذلك فرصة الرجوع إلى المحبوب ومعاشقته. وبدل أن تكون الصلاة وقت الانقطاع إلى الله والتوجّه إليه واكتشاف لذّة محبّته، تصبح محلّاً لزيادة حبّ الدنيا!

الخلط بين عمارة الدنيا وجعلها غاية
وقد وُجِد في المسلمين تيّارات فكرية كانت تفسّر الإسلام على طريقتها. ومن جملة الشبهات الكبرى التي روّجت لها أنّ حبّ الدنيا وطلبها لا يتعارضان مع روح الدين. وهكذا، وبدل أن يكتشف هؤلاء أصل جميع المشكلات التي ابتلي بها المسلمون وتسبّبت بكلّ الكوارث التي نزلت بهم، تراهم يمعنون في المصيبة. فلا بدّ قبل أيّ شيء من توضيح موقف الإسلام الأصيل من قضية الدنيا التي تُعدّ من أكثر القضايا التباسًا في حياة المسلمين، ولهذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "وإنّ الذين يظنّون أنّ لدعوة النبيّ الخاتم والرسول الهاشميّ صلى الله عليه وآله وسلمجهتين دنيوية وأخروية، ويحسبون هذا فخرًا لصاحب الشريعة وكمالًا لنبوّته، ليس لديهم معرفة بالدين، وهم عن مقصد النبوّة ودعوتها في تمام البعد.

- إنّ الدعوة إلى الدنيا خارجة عن مقصد الأنبياء العظام بالكلّية، ويكفي في الدعوة إلى الدنيا حسّ الشهوة والغضب والشيطان الباطن والظاهر دون حاجة إلى بعث الرسل. إنّ إدارة الشهوة والغضب لا تحتاج إلى القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّما بعث الأنبياء لينهوا الناس عن الدنيا، ولتقييد إطلاق الشهوة والغضب، وتحديد موارد المنافع. والغافل يظنّ أنّهم يدعون إلى الدنيا. إنّ الأنبياء يقولون: إنّ المال لا يجوز تحصيله كيفما كان، ونار الشهوة لا يجوز إطفاؤها بأيّ نحو، بل لا بدّ من إطفائها من طريق النكاح، وتحصيل المال بواسطة التجارة والصناعة والزراعة، مع أنّ في أصل الشهوة والغضب إطلاقا، فالأنبياء يقفون بوجه إطلاقهما، لا إنّهم يدعون إلى الدنيا. فروح الدعوة إلى التجارة هو التقييد والنهي عن التكسّب الباطل، وروح الدعوة إلى النكاح هي تحديد الطبيعة والنهي عن الفجور وعن إطلاق قوّة الشهوة.

- أجل، هم عليهم السلام ليسوا مخالفين بشكل مطلق، لأنّ هذا مخالف للنظام الأتمّ"9.

آثار حبّ الدنيا
مهما عدّدنا من آثار ونتائج لحبّ الدنيا، فلا شيء يضاهي خسارة الآخرة مع ما تعنيه هذه الخسارة من العذاب الأبدي. كثيرة هي النصوص الدينية، من آيات وروايات، التي تحدّثت عن عواقب حبّ الدنيا. ونحن نكتفي هنا بمقطع من كلمات الإمام الخميني حول آثار حبّ الدنيا، حيث يقول:
"فبقليل من التأمّل يُعلم أن جميع المفاسد الخُلقية والعملية تقريباً من ثمرات هذه الشجرة الخبيثة، فما أُسّس في العالم دين كاذب ولا مذهب باطل، وما حدث في هذه الدنيا من فساد إلا بواسطة هذه الموبقة العظيمة.

وإنّ القتل والنهب والظلم والتعدّي هي نتائج هذه الخطيئة، وإنّ الفجور والفحشاء والسرقة وسائر الفجائع وليدة هذه الجرثومة المفسدة.

والإنسان الذي وقر فيه هذا الحبّ مجانب لجميع الفضائل المعنوية، وإنّ الشجاعة والعفّة والسخاء والعدالة التي هي مبدأ جميع الفضائل النفسانية لا تجتمع مع حبّ الدنيا.

وإنّ المعارف الإلهيّة والتوحيد في الأسماء والصفات والأفعال والذات وطلب الحقّ ورؤية الحقّ متضادّة مع حبّ الدنيا.

وإنّ طمأنينة النفس وسكون الخاطر واستراحة القلب التي هي روح السعادة في العالمين لا تجتمع مع حبّ الدنيا، وإنّ غنى القلب والكرامة وعزّة النفس والحرية، كلّها من لوازم عدم الاعتناء بالدنيا، كما إنّ الفقر والذلّة والطمع والحرص والاستعباد والتملّق من لوازم حبّ الدنيا.

وإنّ العطف والرحمة والتواصل والمودّة والمحبّة متعارضة مع حبّ الدنيا، وإنّ البغض والحقد والجور وقطع الرحم والنفاق وسائر الأخلاق الفاسدة وليدة أمّ الأمراض هذه"10.

ويقول قدس سره: "وليعلم الإنسان أنّ مثل الدنيا كلّما اتّبعها وكان في صدد تحصيلها أكثر كان تعلّقه بها أشدّ، ويكون أسفه على فقدانها أزيد، فكأنّ الإنسان طالب لشيء لا يناله، فهو يظنّ أنّه طالب للحدّ الفلاني من الدنيا، فما دام فاقداً لذلك الحدّ، يطلبه ويتحمّل في سبيل تحصيله المشقّات ويلقي بنفسه في المهالك. وبمجرّد أن ينال ذلك الحدّ من الدنيا يغدو في نظره أمرا عاديا. ويرتبط عشقه وتعلّقه بشيء آخر فوق ذلك الحدّ، فيتعب نفسه لأجله ولا تنطفىء نار عشقه أبداً، بل تزداد اتّقادا يوماً بعد يوم ويشتدّ تعبه ومشقّته أكثر. وليس لهذه الفطرة والجبلّة توقّف أبدا. وأهل المعرفة قد أثبتوا بهذه الفطرة الكثير من المعارف، ممّا يكون بيانها خارج مجال هذه الأوراق، وقد أشير إلى بعض هذه المطالب في الأحاديث الشريفة، كما في الكافي الشريف عن باقر العلوم عليه السلام: "مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القزّ، كلّما ازدادت من القزّ على نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج، حتى تموت غمّا"11.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: "مَثَلُ‏ الدُّنْيَا كَمَثَلِ مَاءِ الْبَحْرِ، كُلَّمَا شَرِبَ مِنْهُ الْعَطْشَانُ ازْدَادَ عَطَشاً حَتَّى يَقْتُلَهُ"12"13.

إنّ فطرة الله لا تعشق إلا الكمال المطلق، ولهذا فإنّ صاحبها لن يهنأ له بال مهما بلغ من الكمالات. فلو أدرك الإنسان كمالاً أو لذّة ما، فإنّ فطرته سرعان ما تطلب ما هو أكمل منه وألذّ. والمشكلة ليست في هذه الفطرة، لأنّه سبب أساسي في سير الإنسان وسعيه نحو الكمال المطلق الذي خُلق لأجله، وإنّما المشكلة في التشخيص الخاطئ لمصداق الكمال.

فإذا احتجب العقل تحت سلطان الوهم، وظنّ الإنسان أنّ ما تطلبه فطرته موجود أو متشخّص في الأمور الدنيوية، فلن يتوقّف سعيه في طلبها والتزوّد منها، ولهذا ترى هذا المحجوب عقله لا يتوقّف عن تحصيل متاع الدنيا والإكثار منها، وهو لا يدري أنّ مطلوبه الحقيقي ليس هذا المتاع الفاني الزائل الذي لا يزيده إلا عطشا.

وإنّ الفارق بين طلاب الكمالات الحقيقية وطلاب الكمالات الدنيوية الزائلة الوهمية، أنّ طلاب الآخرة يكون عطشهم ممتزجاً بالرجاء والشوق والأمل، لأنّ ما ينالونه من كمالات يزيدهم قرباً من محبوبهم ومطلوبهم الأصلي، وإنّ الكمال الحقيقي، وإن كان محدوداً، فهو رشحة من الكمال المطلق المنشود ودليل عليه، أمّا طلاب الدنيا فإنّ عطشهم لا يزيدهم إلّا حسرة وألمًا وكمدًا.

علاج حبّ الدنيا
لأجل ذلك ينهض كلّ عاقل لاقتلاع حبّ الدنيا من قلبه مهما تطلّب الأمر، ولا يمكن لمن عرف آثار حبّ الدنيا أن يتهاون في هذه المجاهدة، ولو كلّفه ذلك كلّ عمره. وهنا نرجع إلى الإمام الخميني قدس سره من أجل أخذ وصفة العلاج، وهو الطبيب الخبير الذي أثبت في كلّ حياته أنّه إنسان تحرّر من أسر الدنيا. وككلّ حركة معنوية، ينبغي البدء من المعرفة والقناعة، لكي تكون المجاهدة العملية مثمرة، فيقول الإمام قدس سره: "وعلاج هذا المرض المهلك والفساد المبيد هو العلم والعمل النافعان.

1- العلاج العلمي:
أمّا العلم النافع لهذا المرض فهو التفكّر في ثمراته ونتائجه والمقارنة بينها وبين مضارّه ومهالكه الحاصلة منه. وكاتب هذه الأوراق قد كتب في "شرح الأربعين" شرحا في هذا الباب وفسّر الموضوع فيه بالمقدار الميسور، ونكتفي هنا بشرح بعض من أحاديث أهل بيت العصمة.

ففي الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: "رأس كلّ خطيئة حبّ الدنيا"14، والروايات بهذا المضمون كثيرة مع اختلاف في التعبير.

ويكفي للإنسان اليقظان هذا الحديث الشريف، ويكفي لهذه الخطيئة العظيمة المهلكة أنّها منبع جميع الخطايا وأساس جميع المفاسد.

وفي مصباح الشريعة، قال الإمام الصادق عليه السلام "الدنيا بمنزلة صورة، رأسها الكبر وعينها الحرص وأذنها الطمع ولسانها الرياء ويدها الشهوة ورجلها العجب وقلبها الغفلة وكونها الفناء وحاصلها الزوال، فمن أحبّها أورثته الكبر، ومن استحسنها أورثته الحرص، ومن طلبها أورثته إلى الطمع، ومن مدحها ألبسته الرياء، ومن أرادها مكّنته من العجب، ومن اطمأنّ إليها أولته الغفلة، ومن أعجبته متاعها، أفنته ومن جمعها وبخل بها ردّته إلى مستقرها، وهي النار"15.

وروي الديلمي في إرشاد القلوب عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة المعراج، ممّا خاطب الله به نبيه: "يا أحمد، لو صلّى العبد صلاة أهل السماء والأرض، وصام صيام أهل السماء والأرض، وطوى من الطعام مثل الملائكة، ولبس لباس العابدين، ثمّ أرى في قلبه من حبّ الدنيا ذرّة16، أو سمعتها أو رياستها أو حليتها أو زينتها، لا يجاورني في داري، ولأنزعنّ من قلبه محبّتي، ولأظلمنّ قلبه حتى ينساني، ولا أذيقه حلاوة محبّتي"17.

والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تسعها هذه الأوراق"18.

2- العلاج العملي:
"فإذا عُلم أنّ حبّ الدنيا هو مبدأ ومنشأ جميع المفاسد، فعلى الإنسان العاقل المعتني بسعادته أن يقتلع هذه الشجرة من جذورها من القلب.

وأمّا طريق العلاج العملي فهو التعامل بالضدّ، فإذا كان متعلّقا بالمال والمنال، فليقطع جذورها من القلب ببسط اليد والصدقات الواجبة والمستحبّة. وإنّ من أسرار الصدقات تقليل التعلّق بالدنيا، ولهذا يستحبّ للإنسان أن يتصدّق بالشيء الذي يحبّه ويتعلّق قلبه به، كما قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ19.

وإن كان متعلّقاً بالتفاخر والتفوّق على غيره والرئاسة والاستطالة، فليعمل ضدّها ويرغم أنف النفس بالتراب حتى تصير إلى الصلاح"20.

العزم على ترك الدنيا
"فأنت يا طالب الحقّ والسالك إلى الله، إذا طوّعت طائر الخيال وقيّدت شيطان الواهمة، وخلعت نعليَ حبّ النساء والأولاد وسائر الشؤون الدنيوية، واستأنست بجذوة نار العشق لفطرة الله، وقلت إنّي آنست نارا، ورأيت نفسك خالياً من موانع السير، وهيّأت أسباب السفر، فقم من مكانك واهجر هذا البيت المظلم للطبيعة والمعبر الضيّق المظلم للدنيا، واقطع سلاسل الزمان وقيوده، وانجُ بنفسك من هذا السجن، وحلّق بطائر القدس إلى محفل الأنس.

(تنادى من العرش العظيم ولا أدري لماذا مقيم أنت في ذلك الفخّ)

فقوِّ عزمك وأحكِم إرادتك، فإنّ أول شرط للسلوك هو العزم، وبدونه لا يمكن أن يُسلك أيّ طريق أو ينال أيّ كمال. والشيخ الأجلّ الشاه آبادي (روحي فداه) كان يعبّر عنه بلبّ الإنسانية، بل يمكن أن يقال: إنّ من إحدى الجهات المهمّة للتقوى والتجنّب عن المشتهيات النفسانية وترك أهوائها والرياضات الشرعية والعبادات والمناسك الإلهيّة، تقوية العزم وانقهار القوى الملكية تحت ملكوت النفس، كما ذكر من قبل. ونحن نختم هذه المقالة بالتحميد والتسبيح للذات المقدّسة الكبريائية جلّ وعلا، وبالثناء على السيد المصطفى والنبيّ المجتبى وآله الأطهار عليهم السلام، ونستمدّ لهذا السفر الروحاني والمعراج الإيماني من تلك الذوات المقدّسة"21.

* الآداب المعنوية للصلاة في ضوء فكر الإمام الخميني(قده)


1- سورة الأحزاب، الآية 4.
2- راجع: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج19, ص292.
3- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 60.
4- راجع: صدر الدين الشيرازي، ‏شرح أصول الكافي، ج 1، ص 250.
5- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 60.
6- م. ن، ص 60.
7- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 60 - 61.
8- م.ن، ص 61.
9- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 58.
10- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 61 - 62.
11- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 316.
12- م.ن، ج 2، ص 136.
13- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 63 - 64.
14- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 315.
15- الامام جعفر الصادق عليه السلام، مصباح الشريعة، ص 139.
16- المقصود بها الدنيا المذمومة.
17- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج 12، ص 36.
18- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 62 - 63.
19- سورة آل عمران، الآية 92.
20- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 63.
21- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 64.

| 4309 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد