مواقيت الصلاة
الفجر : 04:59
الشروق : 06:16
الظهر : 11:22
العصر : 14:08
المغرب : 16:47
العشاء : 17:40
منتصف الليل : 22:38
الإمساك : 04:50
X
X
الاعلان

تطهير الفطرة

تطهير الفطرة

 تطهير الفطرة

تمهيد
ننظر إلى الإنسان من زاوية أخرى فنرى فيه قوّة إلهيّة، وهذه القوّة قد تتعرّض للتلوّث والقذارة التي تؤدّي إلى زوالها. وإذا زالت هذه القوّة، فقد الإنسان أيّ أمل بالتّكامل.

وتلوّث هذه القوّة الإلهيّة هو السّبب الأوّل والأساس وراء جميع مصائبه ومشاكله.

إنّها الفطرة التي يُفترض أن تجذب كلّ مخلوق إلى غايته.

فما الذي يحدث حتّى يفقد الإنسان هذا النّور المؤيّد والسّبب الجاذب؟ وهل يمكنه استعادة ما فقده منه؟

وهل وُجد أُناس تمكّنوا من الحفاظ على فطرتهم وطهارتهم بالكامل، وحالوا دون أن يعرض عليها أيّ نوع من الأرجاس؟

وما هو سرّ هذا المقام؟ وأنّى لنا الاستفادة منه في واقعنا الذي تعاني فيه الفطرة من كلّ هذا التلويث الذي لم تعرفه البشريّة من قبل؟

درجات النّاس بحسب الفطرة
تخضع فطرة الإنسان لتأثيرات متناقضة، ويكون الوضع النّهائيّ لها في نفسه بيده هو. فمن جهة نرى جنود الله وهي تشدّ هذا الإنسان وتدعوه إلى الطّهارة المطلقة وتصفية فطرته وتنقيتها وتلهمه كلّ خير وسعادة، ومن جهة أخرى تعمل جنود إبليس على تلويث الفطرة وحرف صاحبها ليصمّ عن ندائها الأصيل، وتمارس كلّ أنواع الدعوات الباطلة والتّسويلات المضلّة والإلقاءات المفسدة، لكي لا تجد الفطرة مصداق ما تصبو إليه في عالم الواقع، فيقع صاحبها في اليأس والقنوط.

فمن استجاب لنداء جنود الرحمان، صارت فطرة الله قائده ودليله في كلّ شيء حتّى توصله إلى السّعادة المطلقة والكمال اللامتناهي.

ومن اتّبع جنود الشّيطان ساقته إلى الشّقاء والتّعاسة وبئس المصير. والسّالك سبيل الفطرة من بداية حياته إلى آخرها هو الإنسان الكامل. والرافض لدعوة الفطرة دومًا أو أبدًا هو الشّيطان بصورة إنسان.

وما دام في الحياة الدّنيا فكلّ شيء خاضع للتبدّل والتحوّل، لأنّ الدّنيا هي محلّ القابلية المعبّر عنها بالهيولى.

إلّا أنّ الله شاء أن يبتدئ البشر بغلبة الخير والسّعادة، فأفسح لهم جميعًا منذ البداية بتلمّس نور الفطرة وتجربتها ولو بمقدارٍ قليل، عسى أن يرجعوا إليها كلّما عميت عليهم السّبل ونسوا معنى الكمال الواقعيّ، ولهذا "ما من مولود إلّا ويولد على الفطرة"1.

فإذا كانت العوامل الاجتماعية غير مساعدة، وقبِل الإنسان بتأثيراتها السلبية، خمد نور الفطرة فيه. وإذا كانت الأوضاع الاجتماعية مناسبة، تفعّلت الفطرة فيه مبكرًا، وانجذبت نفسه إلى كمالات هذا العالم وخيراته التي هي مظاهر الكمال المنشود.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "اعلم أنّ الانسان مادام في عالم الطّبيعة ومنزل المادّة الهيولانيّة فسوف يكون تأثير جنود إلهيّين وجنود إبليسيّين. والجنود الإلهيّون هم جنود الرّحمة والسّلامة والسّعادة والنّور والطّهارة والكمال، وجنود إبليس في مقابلها.

وحيث إنّ الجهات الرّبوبيّة غالبة على الجهات الإبليسيّة، ففطرة الإنسان تكون في البداية نورًا وسلامة وسعادة وفطرة إلهيّة، كما صُرّح بذلك في الأحاديث الشّريفة وأُشير إليه في الكتاب الإلهيّ الشّريف.

ومادام الإنسان في هذا العالم، فهو قادر على أن يجعل نفسه باختياره تحت تصرّف أحد هذين الجنديين. فإذا لم يكن لإبليس من أوّل الفطرة إلى آخرها تصرّف في فطرته، فهو إنسانٌ إلهيّ لاهوتيّ، وهو من قرنه إلى قدمه نور وطهارة وسعادة. وقلبه نور الحقّ ولا يتوجّه لغير الحقّ، وقواه الباطنيّة والظّاهريّة نورانيّة وطاهرة، ولا يتصرّف فيها سوى الحقّ، وليس لإبليس فيها حظّ ولا لجنوده فيها تصرّف. ومثل هذا الموجود الشّريف طاهر مطلقًا ونورٌ خالص، وما تقدّم من ذنبه وما تأخّر فهو مغفورٌ له، وهو صاحب الفتح المطلق والواجد لمقام العصمة الكبرى بالأصالة، وبقيّة المعصومين واجدون لذاك المقام تبعًا لذاته المقدّسة. وهو صاحب مقام الخاتميّة الذي هو الكمال على الإطلاق.

ضرورة الجهاد لاستعادة الفطرة
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "وينبغي أن تعلم أنّ تطهير الفطرة بعد تلوّثها أمرٌ ممكن. ومادام الإنسان في هذه النشأة فإنّ التحرّر من تصرّف الشّيطان أمرٌ مقدور له وميسّر، وكذلك الدّخول في حزب ملائكة الله الذين هم جنود رحمانيّون إلهيّون. وحقيقة جهاد النّفس الذي هو بقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من مجاهدة أعداء الله، وهو الجهاد الأكبر، هو الخروج من تحت سلطة جنود إبليس والدخول في تصرّف جنود الله"2.

فالجهاد الأكبر يجري في هذا الميدان، وهو ميدان استعادة الفطرة والحفاظ عليها وتقوية حضورها في النّفس.

وللإمام قدس سره شرح مفصّل لحديث جنود العقل والجهل الذي ذكر أهم جنود الله وجنود إبليس. والجنود هم الأخلاق والطبائع التي تؤدّي دورًا أساسيًّا في إحياء الفطرة أو إماتتها. فمن أراد حياة الفطرة فليخرج من رذائل الأخلاق ومفاسد الطّباع من خلال مجاهدة نفسه.

وقد أثبت الإمام أنّ جميع الأخلاق الفاضلة ترجع إلى الفطرة العاشقة للكمال، وأنّ جميع الملكات النّفسانية السيّئة ترجع إلى انحراف الفطرة وتكدّرها، وذلك لأنّ حقيقة الأخلاق الفاضلة هي الكمال، وأصل مفاسد الأخلاق يرجع إلى النقص. فمن كانت فطرته الفطرة الكاملة توجه إلى جميع الفضائل وأقبل عليها حتى يتّصف بها.

كيفيّة العودة إلى الفطرة
إنّ العودة إلى الفطرة تمثّل حالة الرجوع إلى الله والاتّصال برحمته المطلقة التي تطّهر وجود الإنسان وكيانه من كلّ ما سوى الله. فمن أراد أن يحقّق الطّهارة المطلقة بالعودة إلى الفطرة الكاملة، فعليه أن يرتبط برحمة الله. ولهذه الرّحمة في حياة البشر طريقان، أحدهما أصليّ وهو الذي أراده الله تعالى للبشرية في بدء أمرها فلمّا فقدته، اقتضت رحمته أن يشقّ لها طريقًا ثانيًا واستثنائيًا، وهذا ما نستفيده من أحكام الوضوء والتيمّم.

للوضوء والتيمّم في الحياة وسيلتان هما الماء والتّراب، والماء مظهر الرّحمة المطلقة، والتّراب مظهر الرّحمة الاستثنائية. وعندما يفقد النّاس نعمة الماء، فذلك لأنّهم لم يشكروا أو يقدّروا أهميّة وجوده، فحُرموا منه. وعليهم حينئذٍ أن يمرّغوا جباههم بتراب المذلّة والاعتراف بالتّقصير والخطأ، عسى أن يُفتح لهم باب الرّحمة الواسعة الميسّرة من جديد.

وللماء في الحياة الاجتماعيّة مظاهر عدّة فإذا فقد النّاس هذه المظاهر أو صعب عليهم الوصول إليها، فإنّ رحمة الله لا تنقطع وسوف يفتح الله لهم بابًا للرّجوع والطّهارة بشرط الاعتراف بتقصيرهم بحقّ هذه المظاهر، وإلّا فلن يستفيدوا بعدها أبدًا.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "اعلم أنّ للإنسان السّالك في الوصول إلى المقصد الأعلى ومقام القرب الربوبيّ طريقين على نحوٍ كليّ، أحدهما: وله مقام الأوّلّية والأصالة، ومظهره في عالم الطّبيعة الماء، وهو السّير إلى الله بالتوجّه إلى مقام الرّحمة المطلقة وخصوصًا الرّحمة الرحيميّة، وهي رحمة توصل كلّ موجود إلى كماله اللائق به"3.

أعظم مظاهر الرحمة المطلقة في الحياة البشريّة
يعدّد الإمام الخميني قدس سره هذه المظاهر، ويقول إنّهم:
1- الهداة الإلهيّون: "ومن شعب هذه الرّحمة الرحيميّة ومظاهرها بعث الأنبياء والرسل (صلوات الله عليهم) الذين هم هداة السبل والآخذون بأيدي المتخلّفين"4.

2- الكتاب الإلهيّ: "فهذا الكتاب الإلهيّ العظيم الذي نزل من عالم الغيب الإلهيّ والقرب الرّبوبيّ، ولأجل مصلحتنا نحن المهجورين وخلاصنا نحن المسجونين في سجن الطّبيعة والمغلولين في سلاسل أهواء النّفس والآمال قد صار في صورة اللفظ والكلام، هو من أعظم مظاهر الرحمة الإلهيّة المطلقة. ونحن الصمّ العمي لم نستفد منه بشيء ولا نستفيد"5.

الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم: "وإنّ الرسول الخاتم والوليّ المطلق الأكرم ـ الذي قدم من محضر القدس الربوبيّ ومحفل القرب والأنس الإلهيّ إلى منزل الغربة والوحشة، وابتلي بمعاشرة أمثال أبي جهل ومن هو شرّ منه وأنينه ليُغان على قلبي قد أحرق قلوب أهل المعرفة والولاية ومازال ـ هو الرحمة الواسعة والكرامة الإلهيّة المطلقة، التي كان قدومها إلى هذه الدويرة لرحمة موجودات وسكنة العالم الأسفل وإخراجهم من دار الغربة والوحشة هذه، فهو صلى الله عليه وآله وسلمكالحمامة المطوّقة التي تلقي بنفسها إلى الشباك لتنجي رفقاءها منه"6.

التوجّه المعنويّ إلى الرّحمة
إنّ اتّصال الإنسان برحمة الله المطلقة تستلزم التوجّه إليها، ولأجل تسهيل هذا التوجّه على الإنسان أمرنا الله تعالى بالوضوء للصّلاة باستعمال الماء الذي هو مظهر اللطف والرّحمة في عالم الطّبيعة، لكي تتوجّه قلوبنا بفضل ذلك إلى الرّحمة الإلهيّة التي وسعت كلّ شيء، يقول الإمام الخميني قدس سره: "فلا بدّ للسّالك إلى الله أن يرى التّطهير بماء الرّحمة صورة لاستفادته من الرّحمة الإلهيّة النّازلة. ومادامت الاستفادة ميسورة له، لا بدّ أن يقوم بأمرها"7.

فدار التحقّق هي العوالم كلّها والتي جعلها الله تعالى (بصورتها الأصليّة وقبل أن تمتدّ إليها يد الإفساد البشريّ) مهدًا للتربية والتكامل والاستفادة من فيض الله والوصول إلى الله.

التراث مظهر الرحمة الإلهية في عالم الطّبيعة
يقول الإمام قدس سره: "وإذا قصرت يده عنها بسبب القصور الذاتيّ أو تقصيره وبسبب فقد ماء الرحمة لم يكن له بدّ إلّا التوجّه بذلّه ومسكنته وفقره وفاقته. فإذا جعل ذلّة عبوديّته نصب عينيه، وتوجّه باضطراره الذاتيّ وفقره وإمكانه الذاتيّ وخرج من التعزّز والغرور وحبّ النّفس، ينفتح له باب من الرّحمة وتبدّل أرض الطّبيعة بأرض الرّحمة البيضاء، ويصير التراب أحد الطّهورين ويصير موردًا لترحّم الحقّ تعالى وتلطّفه. وكلّما قوي هذا النّظر في الانسان، أي النظر إلى ذلّة نفسه، يكون موردًا للرّحمة أكثر"8.

عندما يفقد الإنسان الماء، ينبغي ألّا ييأس. هكذا كانت حكمة تشريع التيمّم بالتراب الذي هو أكثر انتشارًا من الماء. فرغم أنّ للتيمّم بالتراب جهة ذلّة، لكنّه أوسع وأسهل. ومقارنةً بالماء، الذي يمكن أن يُفقد في بعض الظّروف، فإنّ التراب متوافر في كلّ مكان.

الاعتماد على النّفس أساس الهلاك
لمّا كان الاتّصال بمظاهر رحمة الله أساس الخلاص، فإنّ ما يقابل ذلك هو الاستغناء عن هذه الرّحمة والذي يظهر بصورة الاعتماد على النّفس، لهذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "وأمّا إذا أراد أن يسلك هذا الطّريق بقدم الاعتماد على نفسه وعلى عمله فهو هالك لا محالة، لأنّه من الممكن ألّا يؤخذ بيده، فمثله كالطفل الذي يتجاسر على المشي ويغترّ بمشيه ويعتمد على قوّته، فمثل هذا الطفل لا يكون موردًا لعناية أبيه، ويكله الأب إلى نفسه. وأمّا إذا عرض اضطراره وعجزه على جناب الأب الشّفيق وخرج عن الاعتماد على نفسه وعلى قوّته بالكامل، فيصير حينئذٍ موردًا لعناية الأب ويأخذ الأب بيده، بل يأخذه في حضنه ويمشي به بقدمه.

فالأحرى بالسّالك إلى الله أن يكسر رجل سلوكه وأن يتبرّأ من الاعتماد على نفسه وارتياضه وعمله تمامًا، ويفنى عن نفسه وقدرته وقوّته، ويجعل فناءه واضطراره دائمًا نصب عينيه، حتى يقع موردًا للعناية دائمًا، فيطوي طريق المئة عام بجذبةٍ ربوبيّة في ليلة واحدة. ولسان باطنه وحاله ينادي محضر القدس الرّبوبيّ بعجزٍ وافتقار: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ9"10.

يظنّ بعض الناس أنّ الأمر يدور بين حالين لا ثالث لهما. فإمّا أن يكون الإنسان واثقًا بنفسه ويعبّرون عن ذلك بالثقة بالنّفس أو غير واثق بها ويعبّرون عن هذه الحالة بالإحباط واليأس. وهم لا يدرون أنّ هناك خيار ثالث، وهو الثّقة بالله تعالى.

أجل، إنّ الثقة بالله تستلزم الثقّة بما يهبنا إيّاه من قدرات وإمكانات لكن لا بنحو الاستقلال، فمن وثق بالمحدود واعتمد على الضعيف خسر وافتقر.

* الآداب المعنوية للصلاة في ضوء فكر الإمام الخميني(قده)


1- الكليني، الكافي، ج2، ص 13.
2- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 71.
3- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 76.
4- م.ن، ص 76.
5- م.ن، ص 76.
6- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 76 - 77.
7- م.ن، ص 77.
8- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 77.
9- سورة النمل، الآية 62.
10- الخميني، روح الله الموسوي، معراج السالكين، ص 77.

| 5948 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد