وصايا من أريج الصلاة
عمود الدين
إنّ أسمى هدفٍ يطمح إليه النظام الإسلاميّ هو تربية الناس العظماء ذوي الفضل، وبناء الفرد والمجتمع على صعيدي الجسم والروح، وفي كلا الجانبين الماديّ والمعنويّ، وبسط جناحي تسامي الإنسان وتكامله.
ومن هنا، تكتسب العبادات، وعلى رأسها "الصلاة"، هذا القدر من الأهمّية، وتُسمّى (الصلاة) عمود الدين. فالصلاة حينما تؤدّى بانتباهٍ وبحضورِ قلبٍ لا يقتصر تأثيرها على ما تغرسه في قلب المصلّي وروحه، وإنّما يتّسع مداها ليملأ الأجواء المحيطة به نوراً وشذًى يسري أريجه إلى رحاب البيت والأسرة، وإلى محلّ العمل ومجلس الأصدقاء، وإلى كلّ ربوع مدينته، بل، وكلّ آفاق الحياة.
كلّما ازداد المصلّي ذكراً وخشوعاً، تتبدّد من حوله ظلمات الأنانيّة والأحقاد، والاستبداد، ويضمحلّ الشحّ والبخل، ويرتفع العدوان والحسد، ويسطع نور الفلاح على جبين الحياة.
كلّ الوقائع المريرة في حياة الإنسان تعود جذورها إلى الغفلة عن ذكر الله والانغلاق في حدود المصالح الذاتيّة. والصلاة تطلق الإنسان من أسوار هذه الظلمات، وتحرّره من أغلال الشهوة والغضب، وتسمو به نحو الحقيقة المتعالية والخير الأشمل1.
أعظم الفرائض
إنّ الصلاة في مضمار البحث الدائم (الأبديّ) والذي لا مفرّ منه والمأمور به الإنسان بل المجبول عليه هي أعظم الفرائض وأكثرها تأثيراً، ولعلّ البعض عرّف هذه الخصوصيّة فقط في ميدان السعي الفرديّ نحو الكمال، ولم يسمع بدورها في ميدان الجهاد الجمعيّ والاجتماعيّ في مواجهة القوى الدنيويّة المناهضة. لذا، ينبغي أن نعرف أنّ المروءة والثبات، في المواجهات المختلفة، مرتبطان بكون القلوب والإرادات مليئة بالصفاء والتوكّل والثقة بالنفس والأمل بحسن العاقبة2.
مظهر العبادة الكامل
الحمد لله الذي جعل الأفئدة النيّرة الطاهرة ترنو إلى الصلاة وإلى إشاعتها وإقامتها، وبثّ فيها لهفة المجاهدة والسعي الحثيث في هذا السبيل.
لقد تلخّصت ثمرة مساعيكم الحكيمة خلال هذه السنوات بأن أصبح للصلاة وهي المظهر الكامل للعبادة والمناجاة والدعاء والمحبّة والإيمان بالمحبوب الفطريّ لعالم الوجود إشعاعٌ أكثر إشراقاً، وحضورٌ أكثر جلاءً في ذهن مجتمعنا الإسلاميّ وسلوكه.
والحمد لله، فقد أضحت الصلاة اليوم في الكثير من الأماكن التي يجتمع فيها الناس، ولا سيّما مراكز تجمّع الشباب كالمدارس، والجامعات، والمعسكرات، والمتنزّهات، والمؤسّسات الحكوميّة، والطرق، وغيرها، ظاهرة مشهودة وبارزة تقرّ بها العيون والأفئدة، وتعرض في وسائل الإعلام وفي الكتب والدروس والبرامج الفنيّة والإعلاميّة الكثير من الكتابات والكلمات بشأن الصلاة، ممّا يجعل أذهان الكثير من الناس وقلوبهم تهفو إلى هذا التكليف العذب اللطيف، ويحدوها الشوق إلى إقامتها.
لا ينبغي الشكّ في أنّ هذا هو طريق النجاح والتوفيق في جميع المهامّ الفرديّة والاجتماعيّة، وهو الطريق نحو السعادة والفلاح ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾3.
ما أكثر الأفراد والجماعات الذين بلغوا قمم التسامي والكمال بمعرفتهم لأهميّة ومكانة الذكر والخشوع والإنابة، التي تعدّ الصلاة مظهرها الكامل، وإرفاقها بالعمل والإبداع الدنيويّ؛ وما أكثر السذج وقصيري النظر الذين حرموا أنفسهم من السعادة الكاملة بالغفلة عن هذا السرّ العظيم في الوجود، سواء من خلال الانغماس في العمل الماديّ أو في أوقات الفراغ والكسل، وأينما حلّوا هووا بأنفسهم في مستنقع الحرمان والإخفاق بشكل أو بآخر.
فالناس الذين جعلوا مساعيهم وجهودهم في ميدان الحياة الإنسانيّة مشفوعة بذكر الله، والأنس به، وعشقه، يدركون المعنى الحقيقيّ للسعادة، وتنالها أجسادهم وأرواحهم.
أنتم أيّها الإخوة والأخوات، الذين عقدتم العزم على الاهتمام بأمر الصلاة، إنّما تؤدّون في هذا الطريق أكبر خدمة لشعبكم وبلدكم، ولا شكّ أنّ شعبنا سيجني من خلال معرفته للصلاة والعمل بها فوائدَ كبرى في جميع مجالات حياته.
لقد قدّم لي المسؤولون المحترمون عن إقامة الصلاة تقريراً يبعث على الأمل بشأن تنفيذ الوصايا السابقة بخصوص الصلاة. وإنّني أُقدِّم الشكر لكم ولجميع القطاعات التي أنزلت تلك الوصايا إلى حيّز التنفيذ4.
صلاةٌ بلا حضورٍ بدنٌ بلا روح
فصلاة بلا ذكر ولا حضور، هي بدن بلا روح، وإن كان إطلاق لفظ الصلاة عليها ليس على سبيل المجاز؛ إلّا أنّه لا يترتّب عليه أثر الصلاة وخاصيّتها.
وقد ورد في الآثار الدينية حديثٌ عن هذه الحقيقة بعنوان "قبول الصلاة" وهكذا، ورد أنّه "ليس لك من صلاتك إلّا ما أقبلت عليه".
إنّ هذه الصلاة موهبةٌ ليس لها بديل ومنبع فيض لا يزول، حيث نصنع بها الإنسان الصالح من أنفسنا أوّلاً ومن نحبّ ثانياً، وهي بوابة مفتوحة إلى ساحة واسعة يسودها الصفاء، وإنّها لحسرة أن يقضي الإنسان عمره بجوار هذه الجنّة ولا يزورها ولا يدعو أحبّاءه إليها، فقد أبلغ الوحي النبيّ العظيم صلى الله عليه عليه وآله وسلم "وأمُر أهلك بالصلاة واصطبر عليها".
واليوم، اعتبروا هذا الخطاب موجّهاً إليكم، واعرفوا قدر الصلاة، وهذه الحقيقة المقدّسة والدرّ الساطع التي هي هبة إلهيّة لأمّة محمّد صلى الله عليه عليه وآله وسلم. ولكلّ منكم سهمه الخاصّ إزاء هذه الوظيفة5:
الصلاة جنّة
الصلاة الزاخرة بالخشوع وحضور القلب أوّل ما تخلق في قلب المصلّي جنّة حقيقيّة يسري مداها تدريجيّاً إلى أجواء الحياة، وتهب المرء الصلاح والفلاح. وانطلاقا من هذه الرؤية، أضحت الصلاة في كلّ الأديان الإلهيّة من أكثر آداب التديّن أصالة، ومن أبرز علامات الإيمان وأوضحها وأشملها، والصلاة الإسلاميّة هي أكمل الصلوات وأجملها.
إحدى بركات الثورة الإسلاميّة في السنوات الأخيرة، أنها أيقظت الأفئدة الطافحة بالشوق والاندفاع إلى أهميّة فريضة الصلاة وعلوّ منزلتها، وركّزت جهودها اليوميّة الحثيثة على إشاعة هذا الركن.
وفي الوقت الحاضر، تُبذل في كلّ سنة جهود صادقة لفتح الطريق النيّر للصلاة أمام الجميع، من أجل أن يحظى المصلّون بنصيبٍ وافرٍ لإقامة صلاةٍ مليئة بالذكر والانتباه.
وتحتلّ أنواع النشاطات الثقافيّة والفنيّة والتحقيقيّة والتنفيذيّة موقعها في السرد الطويل لهذه الجهود. وأرى لزاماً عليَّ أن أتقدّم بالشكر لكلّ هؤلاء العاملين المؤمنين، بمن فيهم المسؤولون الحكوميّون الكبار، وعلماء الدين الموقَّرون، والشخصيّات العلميّة والثقافيّة والفنيّة، والشباب الغيارى، والنساء والرجال المؤمنون، وشتّى القطاعات الاجتماعيّة، وأخصّ بالذكر العالم الواعي المخلص سماحة حجة الإسلام قراءتي الذي جنّد لهذه المهمة طاقات هائلة6.
نبع فوّار
إنّ الصلاةَ تمثّل النبعَ الفوّار الذي يفيض بكلّ هذه وغيرها من الفيوضات الكثيرة على قلب المصلّي وروحه وتصنع منه إنساناً نقيّ، ثابت القدم، راجي، صاحبَ يقين.
وما جاء في القرآن بأنّ "الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"7 وَوُصِفَتْ على لسان النبيّ الخاتم صلى الله عليه عليه وآله وسلم بأنّها "معراج المؤمن وقربان كلّ تقيّ"8، وفي كلمة واحدة، "أنّها عمود الدين"، ووصفها الرسول بأنّها "قرّة عيني"، يجب أن يحثّنا على التأمّل والتعمّق أكثر في فهم عظمة الصلاة.
طبعاً، يجدر بنا أنّ نعلم أنّ الصلاة لا تعني التفوّه ببعض الكلمات وأداء بعض الحركات، فلا تترتّب كلّ هذه الفيوضات والبركات على إيجاد أمواج صوتية وأعمال بدنيّة دون أن تبعث في هذا البدن روح الذكر والتوجّه؛ وإن كانت - على الأقل - مسقطة للتكليف الشرعيّ. فروح الصلاة هي ذكر الله والخشوع والحضور أمامه، وهذه الكلمات والأفعال التي فرضت على المكلّف بالتعليم الإلهيّ، هي أفضل قالب لتلك الروح، وأقرب الطرق لذلك المنزل المقصود9.
مبعث المعنويّات في زمن الآلة
الصلاة هي التي تبثّ في روح الإنسان دواعي الإيثار والصفح والتوكّل والتعبّد، باعتبارها السند الحتميّ للواجبات الخطيرة والمهامّ الخطيرة والصعبة، كالجهاد والنهي عن المنكر والزكاة، وتدفعه لتقحّم تلك الميادين بكلّ بسالة.
عندما يقع هجوم من الأعداء تبرز أهميّة فريضة الجهاد، أو حينما تواجه بعض الشرائح الاجتماعية ضغوطاً في المعيشة تصبح فريضة الزكاة والإنفاق شاملة للجميع، أو بمقتضى محاولات الأعداء ومساعيهم في ميادين الثقافة والأخلاق تتّخذ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صيغة شموليّة، في كلّ هذه الظروف ليس فقط أنّ الصلاة لا يقلّ شأنها عن كونها (خير العمل) ولا تهبط من هذه المرتبة بل تزداد أهمّيّةً، لما تضفيه من دعم روحيّ ومعنويّ لجميع ألوان الجهاد والإيثار وتقحّم المخاطر.
واليوم، ومع هيمنة النظم الآليّة (الحياة الآليّة) على المجتمعات البشريّة كافّة، يرزح الإنسان والإنسانيّة تحت وطأتها. حتّى أصبح كلّ واحدٍ من بني الإنسان يرى نفسه مرغماً على برمجة نمط حياته الفرديّة والاجتماعيّة مع الإيقاع الثقيل والمملّ للماكينة والحياة الآليّة. ومن الطبيعيّ أنّ سجايا الرأفة والمروءة والصفح والإيثار والكثير من القيم الأخلاقيّة الأخرى تصبح ضعيفة التأثير في خضمّ صَخَبِ هذا الإيقاع وتغدو باهتةً لا روح فيها. وفي ظلّ مثل هذه الأوضاع، تُهدم الأسرة وتُسحق أخلاق الحياة الأسرية الممزوجة بعلاقات الإلفة والمحبّة فيها. وقبل عشرات السنين، استشعر معالم هذا الخطر وحذَّر منه، الحريصون وذوو النظرة الثاقبة حتى في قلب الحضارة الصناعيّة والآليّة، ولكن ممّا يؤسف له، أنّ ملايين الناس، وخاصّة الشباب أصحاب المشاعر الرقيقة والروحيّة الأكثر عرضة للضرر، لا زالوا في هذا البلاء الكبير مجرّدين من أي وسيلة للدفاع والعلاج.
وإنّ الحاجة إلى الارتباط المعنويّ بالربّ الرحيم والكريم، بالنسبة إلى جميع بني الإنسان من هذه الجهة، لهي اليوم، أكثر أهميّة وجدّية من أي وقت مضى؛ وتبرز الصلاة هنا كأفضل أداة وأجداها لتأمين هذه الحاجة. البشريّة اليوم أكثر حاجةً من أي وقتٍ مضى إلى الصلاة الخالصة والكاملة10.
باب التوفيق
يجب فهم أهميّة الصلاة بشكل صحيح. حين يتفضّل المعصوم بالقول: إنّ الصلاة لله، إذا قُبِلت قُبِل ما سواها من الخدمات والجهود، وإذا ردّت ردّ ما سواها، فهذا كلامٌ يعرض أمامنا حقيقة كبيرة. وتلك الحقيقة هي أنّ الصلاة إذا وضعت في موضعها المناسب في المجتمع الإسلاميّ فسوف تفتح كلّ الجهود المادّية والمعنوية البنّاءة طريقها نحو الأهداف والمبادئ، وتوصل المجتمع إلى المحطة المثاليّة المطلوبة في الإسلام. وإذا كانت هناك غفلة عن أهمّيّة الصلاة، وجرى عدم الاكتراث لها فسوف لن يطوى هذا الطريق بشكل صحيح، ولن تترك الجهود والمساعي تأثيرها اللّازم في الإيصال إلى القمّة التي رسمها الإسلام للمجتمع الإنسانيّ11.
نافذة نسيم الحرية
إنّ الصلاة حاجة مُلحّة للإنسان، وذلـك لأنّن، بسبب قيودنا الماديّة ، بحـاجـة إلى منفذ لاستنشاق نسيم الحريّة الـذي يهـب ّ مـن العوالم المعنويّة وتـطهيـر قلـوبنـا مـن الدنس والغفلة. إنّ جوهر الطينة البشريّة سيفقد بريقه بدون هذه النافذة التي تضيء وتنعش.
إذا عرفنا كُنه الصلاة وحقيقتها كما هـي، فإنّنا سنشكر الباري تعالى آلاف المرّات على هذه النعمة العظيمـة التـي أتحـفنـا بهـا أنبياؤه12.
إقامة الصلاة من أوجب الفرائض
إنّ إقامة الصلاة من أوجب الفرائض في بلدٍ رفع راية الإسلام خفّاقة ويفخر بحكومة الإسلام، لأنّ كلّ أهداف المجتمع السعيد من قبيل: تحقيق العدالة الاجتماعيّة، وبلوغ الرفاهيّة العامّة والازدهار الماديّ، وتنميّة القابليات والإبداعات لدى أفراد الشعب، والتمتّع بالعلم والمعرفة والخبرة، والعزّة والاستقلال والاقتدار الوطنيّ، وإشاعة الأخلاق الإنسانيّة والعلاقات السليمة بين أفراد الشعب، وسائر الأهداف السامية، إنّما تتحقّق في ظلّ التربية الذاتيّة والتهذيب الأخلاقيّ لدى أفراد الشعب ولا سيّما المسؤولين عن
شؤون البلاد. ومع وجود أُناس أطهار في ذلك المجتمع يتمتّعون بالعزيمة والتوّكل والإخلاص والصبر والسعي الحثيث، فإنّهم سيتمكنون، وبمعونة هذا الرصيد الروحيّ، من تحمّل الأعباء الثقيلة والوقوف بوجه العقبات المختلفة ولا سيّما أمواج الفساد والدمار. وكلّما ازداد عدد هؤلاء في مجتمعٍ ما وبلدٍ معيّن، أصبحت آفاق مستقبل ذلك المجتمع وذلك البلد أكثر جلاءً ووضوحاً، والسير نحو السعادة فيهما أكثر سهولة وإمكانيّة.
وممّا ذكرنا، تتّضح أهمّيّة الصلاة وأحد أسرار التركيز عليها (والدعوة إليها) في التعاليم الإسلاميّة، لأنّ الصلاة أفضل وسيلة لبلوغ أفراد المجتمع المسلم التهذيب الأخلاقيّ والسموّ الروحيّ والمعنويّ13.
البعد الاجتماعيّ في الصلاة
من جملة المهامّ الخطيرة التي تقع على عاتق المؤمنين وخيرة عباد الله، مع استقرار الحاكمية الإلهيّة في أيّة بقعة من بقاع الأرض، هي إقامة الصلاة التي منحها القرآن شأناً خاصّاً، وجعل لها مكان الصدارة، فقال: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ...﴾14 ولو لم يكن لإقامة الصلاة أهمّية أساسيّة، ولو لم يُنظر إليها كعمودٍ راسخٍ من أجل تحقيق الأهداف الكبرى للنظام الإسلاميّ، لما كانت قد حظيت بكلّ هذا التأكيد.
وإنّ التوصيات البليغة التي وردت بشأن أداء هذه الفريضة، والمهمّة التي أُلقيت على عاتق الأبوين في تعويد أولادهما منذ الصغر على الأنس بها، أعطتها صفة لا تضاهيها فيها جميع الفرائض الأخرى. ويعود السبب في هذا إلى الدور الاستثنائيّ للصلاة في تنظيم الحوافز الروحيّة لدى الإنسان، وتمهيد الأجواء الإيجابيّة التي تمكّنه من تحمّل الأعباء الثقيلة لواجباته في المجتمع.
وبالالتفات إلى كلّ هذه الجهات، ينبغي حقّاً اعتبار الصلاة كأفضل الأعمال. وشعار "حيّ على خير العمل" الوارد في نداء الصلاة يُعتبر بحقّ كلاماً فيّاضاً بالحكمة15.
ثلاث خصائص
في الصلاة ثلاثُ خصائصَ رئيسة لها الدور الأساس في تهذيب النفس وتربية الروح:
الأولى: أنّ الصلاة بهيئتها المحدّدة في الإسلام، أي الحركات والأذكار المخصوصة، تدعو المصلّي، بشكل طبيعيّ، إلى الابتعاد عن الذنب والرذيلة ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾16، هذه الدعوة المستمرّة لها القدرة على إنقاذ أي فردٍ من قاع المستنقعات وأن تعرج به.
الثانية: الصلاة تحيي في المصلّي روح العبوديّة والخضوع أمام ساحة الباري تعالى، فهو المحبوب الحقيقيّ والفطريّ لكلّ إنسان، وتزيل غبار النسيان عن هذه الحقيقة الساطعة المودعة في أعماق فطرته.
الثالثة: تزرع في قلب المصلّي وروحه تلك السكينة وذلك الاطمئنان الذي يُعتبر الشرط الأساس للنجاح في جميع ميادين الحياة، وتبعد عنه التزلزل والاضطراب الذي يعدّ مانعاً كبيراً في طريق العمل الجادّ من أجل التربيّة الأخلاقيّة.
وكلّ واحدة من هذه الخصائص الثلاث جديرة بالتدّبر والإمعان، ليتضّح من خلالها الكثير من معارف الصلاة.
والآن عندما نرى الصلاة بهذه الخصائص وبتأثيرها الاستثنائيّ، وسعة دائرتها حيث تشمل كلّ المجتمع الإسلاميّ، أي أنه ينبغي على الجميع أداء الصلاة تحت أي ظرف وفي أي مكان كانو، ولا يستثنى أحدٌ من دائرة هذه الفريضة الإلهيّة أبداً، فحينها ندرك مدى تأثيرها البالغ في تحقيق السعادة لشعبٍ ولمجتمعٍ ما.
والحقيقة، أنّه متى ما شاعت الصلاة بكلّ شروطها في مجتمعٍ من المجتمعات، فإنّ هذا الواجب الإلهيّ بعينه سيأخذهم تدريجيّاً نحو كلّ أشكال السعادة وإقامة صرح الدين في حياتهم.
ولا يفوتنا القول، إنّ كلّ هذا يتعلّق بتلك الصلاة التي تُقام بروحها، أي مع التوجّه وحضور القلب. فمثل هذه الصلاة تجعل المصلّي متناغماً ومنسجماً مع عالم الخلق كلّه، وتفتح السبيل أمام تطبيق السنن الإلهيّة في الطبيعة والتأريخ، لأنّ عالم الخلق كلّه، وفق الرؤية الإسلاميّة، في حالة تسبيحٍ وعبوديّةٍ للحقّ تعالى ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾17 18.
* كتاب من أعماق الصلاة.
1-رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر الثامن للصلاة 1419هـ.
2-رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر السنوي الثالث للصلاة، المنعقد في مدينة بابلسر 1414هـ.
3- المؤمنون، 1و2.
4-رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر السنوي لإقامة الصلاة، المنعقد في مدينة زنجان 1417هـ.
5-رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر السنوي الثالث للصلاة 1414هـ.
6-رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر السنوي الثامن للصلاة 1419هـ.
7- العنكبوت 456.
8- الكافي ج3، ص265.
9-رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر السنوي الثالث للصلاة 1414هـ.
10-رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر السنوي السابع للصلاة 1418هـ.
11- رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر السنوي الحادي والعشرين للصلاة 1434هـ.
12- رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر السنوي السادس عشر للصلاة 1428هـ.
13-رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر السنوي الـخامس لإقامة الصلاة، المنعقد في مدينة تبريز 1416هـ.
14- سورة الحج، 41.
15-رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر السابع للصلاة، 1418هـ
16- العنكبوت،45.
17- الجمعة، 1.
18-رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر السنوي الـخامس لإقامة الصلاة، المنعقد في مدينة تبريز 1416هـ.