مواقيت الصلاة
الفجر : 04:47
الشروق : 06:04
الظهر : 12:37
العصر : 16:17
المغرب : 19:29
العشاء : 20:23
منتصف الليل : 23:55
الإمساك : 04:38
X
X
الاعلان

التسبيحات الأربع

التسبيحات الأربع

التسبيحات الأربع

الفهم الكامل للتوحيد
قبل أن ندخل في بيان الذكر في الركوع والسجود، نوضح الجمل التي يردّدها المصلّي في الركعتين الثالثة والرابعة قائماً، هذه الجمل هي أربعة أذكار تنطق بأربع حقائق عن الله تعالى: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر".

إنّ معرفة هذه الخصوصيّات الأربع لها تأثير عميق في تكوين فهم صحيح وكامل عن التوحيد، إذ إنّ كلّ واحد من هذه الأذكار يبيّن صورةً ومتناً لعقيدة التوحيد.

وإنّ تكرار هذه الجمل ليس من أجل زيادة الإطلاع والمعرفة الذهنيّة لدى الإنسان وحسب، بل ينبغي أن تكون أعظم فوائد معرفة صفات الله وخصوصياته والمداومة على ذكر الله، هو أن تُوجد في الإنسان الحركة والمسؤوليّة، وأن يتحمّل المسؤوليّة المتناسبة مع تلك الحقيقة التي أدركها.

بشكل عامّ، ينبغي أن تكون العقائد الإسلاميّة (خارج الذهن) وفي ساحة الحياة منشأً للعمل والحركة، فهذه العقائد لا تستمدّ أهميتها واعتبارها من جهتها الذهنية والتجريديّة صرفاً، بل هي أكثر اعتباراً في الإسلام، كونها ناظرة إلى حياة الإنسان وسلوك الفرد والمجتمع. صحيح أنّ كلّ عقيدة إسلاميّة هي في المعنى والاعتقاد بوجود الله هو من هذا القبيل. فالاعتقاد بوجود الله أو الاعتقاد بعدم وجوده ، كلّ منهم، يُوجِد في الحياة والعمل نمطاً وشكلاً خاصّاً. فالفرد والمجتمع الذي يعتقد حقّاً بوجود الله يعيش في الحياة بنمطٍ ونحوٍ خاصَّين، والفرد والمجتمع المنكر لهذه الحقيقة يعيش بنحوٍ آخر. فإذا اعتقد الإنسان أنّه، هو والعالمُ، قد أُوجِدا من جانب قدرة مريدة وعن حكمة وشعور، فسيدفعه هذا الاعتقاد إلى اعتقاد آخر وهو أنّ هذا الخلق كان لـ "هدف وغاية"، ويذعن بأنّ عليه أن يؤدّي دوراً ويتحمّل مسؤوليّة لبلوغ هذه الغاية. وهذا الشعور بالمسؤوليّة والالتزام هو الذي يدعوه إلى العمل والجدّ وتحمّل مسؤوليّات ثقيلة، ويشعر تجاه ذلك كلّه بالرضا ويتقبّله عن طيب نفس.

وهكذا أيض، الاعتقاد بالمعاد والنبوّة والإمامة و... فكلّ واحدة تلقي مسؤولياتٍ وتكاليفَ على عاتق المعتقد، وتشخِّص له بمجموعها طريقه وبرنامجه ومنهج حياته العامّ.

وإن ظهر في الواقع الخارجيّ، أنّ بعضَ من يعتبرون أنفسهم معتقدين بهذه الأصول الفكريّة، يرون أنفسهم متساوين مع أولئك الذين ليس لديهم إطّلاع عليها ولا يعتقدون بها، وحياتهم هي كحياة أولئك، فليس هذا (التصوّر) إلاّ بسبب عدم الإطّلاع الصحيح أو لعدم تجذّر إيمانهم وتسليمهم. وفي المواقع والظروف الحساسة وفي منعطفات الحياة، يمتازُ صفُّ المعتقدين الواقعيّين عن المقلّدين الجاهلين والمنتهزين للفرص. وبهذه الرؤية، نعرّج على مفاد الأذكار الأربعة ومحتواها.

سُبْحَانَ اللَّهِ
اللهُ منزّهٌ عن أن يكون له شريك، ومنزّه عن الظلم، وعن أن يكون مخلوقاً، وعن الفعل المنافي للحكمة والمصلحة، وعن جميع النواقص والاحتياجات والعيوب الموجودة في الكائنات، وعن جميع الصفات التي هي من لوازم أن يكون مخلوقاً أو ممكناً.

من خلال التلفّظ بهذه الجملة وذكر هذه الخصوصيّة لله، يفهم المصلّي ويستذكر أنّه أمام عظيمٍ وذاتٍ محمودة، يقف خاضعاً معظِّم، فهو يشعر أنّ تعظيمه وتواضعه هو مقابل الإحسان والجود والكمال المطلق. فهل يشعرُ أحدٌ بالحقارة عندما يحترم الطهارة والإحسان والجمال المطلق؟

إنّ صلاة الإسلام هي التواضع والتعظيم أمام هذا المحيط اللّامتناهي من الإحسان والكمال والجمال. وهذه الصلاة ليست خضوعاً يُهينُ الإنسان ويقلّل من شأنه وكرامته وعزّته الإنسانيّة، وليست تملُّقاً يُذِلّ الإنسان ويحقّره. أليس الإنسان سوى موجودٍ مدركٍ للجمال، وباحثٍ عنه؟ إذاً، فمن الطبيعيّ جدّاً أن يخضع ويتذلل أمام الكمال المطلق. وأن يعبد الذات المالكة له وأن يعظّمها ويمجّدها بتمام وجوده. هذا التمجيد وهذه العبوديّة تدفعانه نحو طريق الكمال والإحسان والجمال، ويجعلان حركة حياته في هذا الاتجاه وهذا المسار.

إنّ الذين يرون العبادة الإسلاميّة منشأَ ذلّة الإنسان وضعفه، وقاسوها بتبجيل القدرات المادّية والثناء عليها، قد أغفلوا نكتة دقيقة وهي: أنّ مدح الإحسان والطّهر والثّناء عليهما هو بحدّ ذاته أقوى باعث ومحفز إلى الإحسان والطّهارة. هذه النكتة، هي التي تعلّمنا ذكر "سبحان الله".

وليست تملُّقاً يُذِلّ الإنسان ويحقّره. أليس الإنسان سوى موجودٍ مدركٍ للجمال، وباحثٍ عنه؟ إذاً، فمن الطبيعيّ جدّاً أن يخضع ويتذلل أمام الكمال المطلق. وأن يعبد الذات المالكة له وأن يعظّمها ويمجّدها بتمام وجوده. هذا التمجيد وهذه العبوديّة تدفعانه نحو طريق الكمال والإحسان والجمال، ويجعلان حركة حياته في هذا الاتجاه وهذا المسار.

إنّ الذين يرون العبادة الإسلاميّة منشأَ ذلّة الإنسان وضعفه، وقاسوها بتبجيل القدرات المادّية والثناء عليها، قد أغفلوا نكتة دقيقة وهي: أنّ مدح الإحسان والطّهر والثّناء عليهما هو بحدّ ذاته أقوى باعث ومحفز إلى الإحسان والطّهارة. هذه النكتة، هي التي تعلّمنا ذكر "سبحان الله".

الْحَمْدُ للّهِ
فالإنسان طوال حياته المليئة بالمتاعب، كان دوماً - لأجل الحصول على المُتع والمكاسب المختلفة والامتيازات الصغيرة والكبيرة، ولأجل البقاء بضعة أيام أخرى على قيد الحياة، وفي أحيان كثيرة من أجل لقمة العيش - يفتح فمه بالحمد والثناء على المساوين له في الخلقة الذين لا يمتازون منه بمنبت نجابة أو شرف، ويسلّم جسمه وروحه لأسياده وأولياء نعمته. ولأنّه يعتبر رزقه مرتبطاً بأذلّاء النعمة (يراهم مصدر الرزق)، فيرضخ في طلبه ويقبل بالعبوديّة لوليّ نعمته، عبوديّة الجسد والروح والفكر.

يفهم من خلال استذكار أنّ "جميع المحامد والثناء هي لله"، أنّ جميع النعم أيضاً هي من الله. فإذاً، لا أحد يملك - في الحقيقة والواقع - أي شيءٍ ليمكنه من خلال ذلك أو يحقّ له استرقاق أحدٍ وجعله مطيعاً وأسيراً له. وهذا أيض، يلقّن النفوس الضعيفة ويرشد القلوب المسحورة والعيون المخدوعة بالنعم: أن لا تتّخذَ رحمةَ السلاطين وعطاءَ الأسياد (الحقير) شيئاً، ولا تعتبره منهم، ولا تسلّم قيادها لهم رقّاً وعبوديّة، وأن لا تقبل المنع والحرمان منه (الرزق)، ولتعتبر المحتكر له غاصباً ومتعدّياً.

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه
هذا شعار الإسلام الذي يُظهر بمجموعه مشهداً للرؤية الكونيّة والأيديولوجيّة لهذا المذهب. ويتضمّن هذا الشعار "نفياً" و"إثباتاً"1.

بدايةً، يرفض الإنسان كلّ القدرات الطاغوتيّة وغير الإلهيّة، ويخلّص نفسه من ربقة العبوديّة لأي قوّة شيطانيّة، ويقطع كلّ يد أو رجل تسحبه بأيّ شكلٍ نحو طريق ما، ويرفض كلّ قدرة غير قدرة الله وكلّ نظام إلاّ النظام الإلهيّ، وكلّ الدوافع إلاّ الدوافع المَرْضيّة لله، وبهذا النفي المجيد يتحرّر من كلّ ذُلٍّ وحقارةٍ وانكسارٍ وقيدٍ وأسرٍ وعبوديّة. فيهيمن أمر الله وإرادته -التي لا تتحقّق إلّا في قالب "نظام إلهيّ"، أي المجتمع الإسلاميّ بمعناه الحقيقيّ - على وجوده ويسلّم بعبوديّة الله التي لا تتوافق ولا تتّفق مع أي عبوديّة أخرى.

عبوديّة الله تعني تدبير نظام الحياة طبقاً لأوامر الله الحكيمة، والعيش في ظلّ النّظام الإلهيّ الذي رُسِمت خطوطه العريضة وفقاً لأوامر الله. أو السعي والتحرّك بجميع القوى والجهود الممكنة بهدف إيجاد هكذا نظامٍ وهكذا نظم.

وأمّا النُّظم الأخرى التي بُنِيت على أساس الفكر البشريّ، فليست قادرة على إسعاد البشر وإيصالهم إلى كمالهم الإنسانيّ المطلوب، بسبب عدم خلوّها من الجهل واعوجاج الفكر، وأحياناً لعدم خُلوّها من المطامع.

فالمجتمع والنظام الإلهيّ هو الوحيد الذي يمكن أن يكون محيطاً مناسباً لنمو هذا البرعم الذي يسمّى "الإنسان"، لكونه (أي هذا النظام) نابعاً من حكمة الله ورحمته، ولمعرفته بحاجات الإنسان وقدرته على تأمينها..

نحن لسنا أعداءً للنُّظم الأخرى، بل نحن نشفق عليها، هذا كلام الأنبياء وهم آباء البشر المشفقون عليهم، إنّهم يعلّمون منشئيى البيوت ومهندسيه، البيوت التي ينبغي أن تعيش فيها الناس، أي أنّهم يعلّمون مبتكري النظم الاجتماعية وبُناتها ويُسدون النصيحة لهم: إنّ الإنسان لم ولن يكون سعيداً إلاّ في ظلّ نظام إلهيّ وتوحيديّ. وقد أثبت التاريخ ورأينا ونرى ما الذي عانته الإنسانيّة في ظلّ النظم غير الإلهيّة، وكيف مُسخت الإنسانيّة وإلى أي مصير وصلت؟

اللَّهِ أَكْبَر
وبعد هذا البطلان (النفي) كلّه، يَشعرُ الإنسان العاديّ، الذي ما زال عالقاً في لُجّة الوقائع الجاهليّة، بالغربة والرّوع ، ويجد نفسه وحيداً؛ فهو، من جهة، يرى عياناً أنّ جميع الأسس، التي كانت تبدو حتى وقتٍ قريبٍ ثابتةً، آيلةٌ إلى السقوط. ومن جهة أخرى، توحي له الجاهليّة بأنّها ما زالت بضخامة الجبل تربض أمام وجهه.

فالأشياء ذاتها التي نفاه، تظهر له وتتراءى أمام عينيه مُحاوِلَةً إرعابه، في اللحظة نفسها التي يقول فيها الله أكبر من كلّ شيء، من كلّ شخص، من كلّ القدرات والمقتدرين، وأكبر من أن يوصف، وهو مهندس السنن والقوانين التكوينيّة في العالم، سواء في مجال الطبيعة أم في التاريخ؛ إذاً، التوفيق والنصر النهائيّ الذي يكون في ظلّ تعاهد هذه القوانين والسنن، هو فقط من خلال الالتزام بأوامره، وإنّ عباده المطيعين له هم الجبهة الوحيدة المنتصرة في صراع البشريّة التاريخيّ.

وكان النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم مدركاً لهذه الحقيقة تماماً ومؤمناً بها بكلّ وجوده، ويتلمّسها. ولذا، ثبت بمفرده بوجه جميع الضالّين في مكّة، بل بوجه كلّ العالم. وكما يُتَوقَع من إنسان عظيم كالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أظهر إصراراً على الثبات والمقاومة، فحرّر قافلة البشر الضّالّة من التبعيّة الذليلة للقوى الطاغوتيّة وسيّرها في المسار الفطريّ، الذي هو مسار التكامل.

فالذي يجد نفسه ضعيفاً مسلوب الإرادة أمام أشكال القوى البشريّة، إذاً أدرك أنّ أعلى القدرات وأكبرها هو الله تعالى فسوف يطمئنّ قلبه، ويهدأ وتتّقد في باطنه قوّة فريدة، وهي التي تجعل منه الأفضل والأقوى.

كانت هذه خلاصة حول مفاد الجمل الأربع التي تتكرّر في الركعتين الثالثة والرابعة من الصلاة حال القيام.

* كتاب من أعماق الصلاة.


1- أو إبطال وتأييد

| 4762 قراءة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد